حالة الطقس
يوم الثلاثاء
23 أفريل 2024
الساعة: 11:09:17
عين الروى، حطام المباني الوظيفية يهدد حياة التلاميذ .القادة المجتمعون في تونس يؤكدون على ضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيقسطيف :ديون سونلغاز475 مليار سنيتم ، وتحصيلها يشكل وجع دماغ حقيقيأميار يماطلون في تنفيذ تعليمة الوالي بشان وضع المنتخبون في حالة ديمومةمخرجات اجتماع مجلس الوزراء
زمن المفارقات... من التوحش والانقلاب الى ما بعد التغيير!
أعمدة الراي في سطيف

زمن المفارقات... من التوحش والانقلاب الى ما بعد التغيير!

 

يقول المفكر مالك بن نبي: "من عادة التاريخ أن لا يلتفت للأمم التي تغط في نومها وإنما يتركها لأحلامها التي تطرب بها حينا وتزعجها أحيانا".

أسئلة كثيرة، تلك التي تراود الفرد العربي اليوم وتملأ تفكيره إذ ترتبط بانشغالاته اتجاه نفسه ومجتمعه وواقعه المليء بالتفاصيل الهامشية للحياة...تلكم هي الحالة التي وجد إنسان ما بعد الحداثة نفسه متورطا فيها ولا يستطيع الخلاص منها لأنه انخرط فيها مبكرا دونما دراية أو رغبة منه... يغرق في كم هائل من المتاهات التي غالبا ما تبعده عن جوهر الحياة ورهاناتها.

اليوم، كل شيء أضحى جاهزا للتغير والانقلاب على كل شيء طالما أن الكراسي الفارغة تنتظر من يجلس عليها أخذا للغنائم التي تركها المبعدون أو الفارون لتعود إلى خزائن الشعب المقهور، والشعب المقهور تحديدا هو الذي يمارس وصايته الثورية... اليوم، هو أيضا وقت للصعود إلى الأعلى وزمن قبض المنح على سنوات الحبس والنفي ...زمن النهب السياسي والعاطفي، وفصل آخر للنهب الإيديولوجي والثقافي بما سيعمل على تنفيذه من سياسات الوصاية على كل ما هو إبداع، والسطو على الحلم وامتلاك الأحقية في كل شيء بما في ذلك كتابة رواية عن شهيد، أو إعداد مسرحية عن حرية لا تلبس الحجاب أو ترتيب لقاء بين عاشقين في قصيد!

في الماضي الزراعي والرومانسي كان الإنسان يتطلع إلى تغيير العالم بعد أن بدد قرونا في محاولة تفسيره، لكن ما قاله "هنري" - عامل فرنسي- في أحداث أيار/مايو 1968 أرّخ لحقبة ما بعد التغيير، بحيث "لا يتغير وأن لا يستجيب للعوامل التي تنزع آدميته وتحوله إلى سلعة"....قال العامل "هنري" ذلك ردا على ضابط سأله ساخرا عن سرّ بقائه على الرصيف وهو يحمل يافطة تحمل مطالبه بعد أن أسدل الستار وانفض سامروا الثورة ... قال هنري" أنه لا يطمح إلى تغيير مسار بعوضة أو سلحفاة، لكنه لن يسمح لفرنسا والجنرال وحتى التاريخ كله بأن يغيره..."

قد يجد مثقفو العالم عما قريب أنفسهم كالسيد "هنري"، معركتهم هي أن لا يتغيروا وليس أن يغيروا، ليصبح القليل من العزلة ضروريا للاختباء من الشيطان، فكم كان الشاعر "ميلر" محقا عندما قال أن صوت دراجة نارية تمر أمام قاعة يقرأ فيها شاعر قصائده قادر على حجب صوت الشاعر فما بالك بالقنبلة النووية، لا تلك التي دمرت الحياة في "هيروشيما"و"ناغازاكي" بل تلك التي حلّ فيها التزوير مكان اليورانيوم... ليس الحديث هنا عن تزوير الانتخابات في بلد أو مقاطعة، إنما عن تغييب المشهد الحقيقي لإمكانيات الحياة برمتها في شتى المجتمعات والأمم، بحيث تنعم القلة برغد العيش والقصور الممردة  في حين تعاني الأكثرية الزهد والفقر المدقع، في الوقت الذي تقدم المنظمات العالمية الساهرة على ذلك الإحصائيات عن مستوى خط الفقر والكوارث البيئية من حين إلى آخر دون أن يلتفت إليها أحد باستثناء بعض التعليقات والوعود في أحسن الأحوال... في ظل هذه الظروف، يتم تغييب المثقف في البلاد العربية بشكل دراماتيكي مقصود لتتفاقم أسباب العزلة لديه، مثلما تتناسل الشياطين بكل ما لديها من موروث الأقنعة وطاقيات الإخفاء... هذا هو عين التزوير، وعن مثل هذا التزوير ينبغي أن نتحدث!!فقد يتجلى الشيطان في واقع غاشم تسوده الذرائعية والرداءة في كل الأمكنة وعلى جميع المستويات، ويتوحش فيه البشر بحيث يجد الفنان أو المثقف أن لا خيار لهما غير العزلة، فهم اليوم عازلين وليسوا معزولين في هذا السياق المضاد للعزلة بمعناها التقليدي.

في خضم هذا العفن الذي تكبله حبال الجهالة المشدودة، ترى هل يهتدي العقل العربي إلى تحليل ما حدث و يحدث من حوله؟ أم أنه سيظل جاثما ملتفا حول نفسه يراوح مكانه؟ بل لعل العقول العربية قد أصبحت معطلة فعلا كما أشار إلى ذلك المفكر مالك بن نبي في إحدى مؤلفاته، وكأنها قد تحنّطت وتجمّدت ولم تعد قادرة على استيعاب كلّ ذلك الزخم الذي يحيط بها من أحداث بين العوالم المعولمة، بحيث لا تكاد تفرغ من استيعاب حدث حتى تفاجئ بالتالي إلى درجة أنها أصبحت غير قادرة على القيام بأي ردّ فعل، ما يعني أنها باتت تُجسّد قمة الجهل، بل نموذجا حيّا لموت المعرفة في كياننا.

إن الكثير من الأحداث اليوم، تجعلنا نعتقد أن الشعوب العربية ستعيش قمّة الإذلال والخنوع وأبشع صور الاستعمار الجديد إن هي لم تنتبه لما يحدث من حولها، وتُبادر إلى تحريك عقولها في الاتجاه الصحيح، فلا أستبعد والحال كذلك، أن يتحوّل الإنسان العربي إلى مجرد شيء وكفى، يمكن بيعه كما يُمكن إتلافه وتحطيمه، وإعادة تصنيعه حسبما يراه العقل الغربي، ولن ينفعنا وقتئذ لا فتاوى ذاك الشيخ ولا تكهنات ذلك العراف أو غيره... لكن الأهم من ذلك كله، أين هي زمرة المثقفين العرب الذين سيدفعون الثمن في مقابل نهضة شعوبهم المقهورة أم أن عنوان التضحية قد سقط في إحدى غياهب الدهر والخنوع قد طوق نفوس الخاصة كما العامة على حد سواء؟ 

إنها الحقيقة التي لا ينبغي أن نتهرب من الإجابة عن إفرازات أسئلتها الجوهرية، لأنها ببساطة تمس الكرامة ولقمة العيش التي ثارت من أجلها الشعوب العربية ولا تزال، تعاني برد الصقيع وحر الشمس وقد حالت العشرية على البعض منها...ومع ذلك، فقارب النجاة لا يزال على الجودي، لكن بقاءه قد لا يدوم طويلا كما أن فرص النجاة قد لا تتكرر كثيرا فعلى المعنيين أن يبادروا قبل أن تقبل علينا حروب البقاء بنيرانها فتلتهمنا جميعا!!

 

أ/ سناطور أبوبكر  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جامعة سطيف.


تم تصفح هذه الصفحة 2714 مرة.
فيديو
صورة و تعليق
هدرة الناس
والي سطيف و الكورونا ؟إقرأ المقالة
قناتنا على اليوتيوب
تطوير Djidel Solutions