عاشوراء عند عامة الجزائريين
هي "مناسبة دينية" ورثناها عن أجدادنا ، نتبع فيها توصيات رسولنا محمد
عليه الصلاة و السلام بصيام تاسوعاء (التاسع من شهر محرم) وعاشوراء خلافا لليهود
الذين يصومون عاشوراء فقط ، و العاشر من محرم هو اليوم الذي نجى الله فيه سيدنا
موسى من فرعون ، كما ارتبط إحياء يوم
عاشوراء عندنا بإخراج زكاة الأموال، التي سميت بــ "العواشر" أو "العشور" وهو
ما يعني تزكية عشر المال.
أما عاشوراء عند الشيعة هي ذكرى حزينة وأليمة، و يوم
عزاء يمارسون فيها طقوس و شعائر ترمز للحزن للتعبير حسبهم عن الظلم والاضطهاد الذي
تعرّض له حفيد الرسول، الإمام الحسين وأهل بيته بعد محصارتهم لمدّة أيّام من جيش
يزيد بن معاوية، و التي أنتهت بإستشهاد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما .
و الجزائر هي البلد
السني الوحيد الذي جعل يوم عاشوراء عطلة مدفوعة الاجر و عيدا رسميا، و رغم بعض
العادات التي يمكن أن تكون لها إمتدادات شيعية إلا أن الجزائريون يجعلون من إحياء
يوم عاشوراء مناسبة للفرح على عكس الشيعة الذين يجعلونه يوما للحزن ، و يعتقد أن اختيار
الجزائر ليوم عاشوراء كعيد رسمي يهدف بالأساس إلى تشبث بالماضي القريب، أين كان
الجزائريون خلال فترة الاستعمار الفرنسي يقيمون احتفلات لإثبات الذات أمام
الاستعمار و يعززون من خلالها الروابط الاجتماعية، لتحافظ الدولة الجزائرية
الحديثة على هذا الامر و تجعل عاشوراء يوم
عيد لتمكين الجزائريين من إخراج فريضة الزكاة ، و هذا رغم الانتقادات التي توجه
للسلطات في هذا الشأن ، حيث يرى البعض أن هذا اليوم ما هو سوى يوم راحة للموظفين و
العمال و هذا مخالف لتعاليم ديننا الحنيف
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا بالراحة و النوم و الكسل في عاشوراء.
و عن الموروث
الشيعي المرتبط بإحياء يوم عاشوراء و وجود بعض العادات و الطقوس التي لها ارتباط
وثيق بالتواجد الشيعي في الجزائر و هذا منذ احتضان قبيلة كتامة في منطقة بني عزيز
للدعاة الفاطميين و على رأسهم الداعية "أبو
عبد الله الشيعي" الذي دخل المغرب الإسلامي رفقة حجّاج من قبيلة
"كتامة" و استقر بمنطقة "إيكجــان" "بني عزيز"
حاليا ، أين تم احتضانه من شيوخ قبيلة كتامة ليتعزز نفوذ الفاطميين بعد إعلان
" إيكجــان" أو ما يسمى بدار الهجرة أول عاصمة لدولة الشيعة في العالم، و هذا قبل بناء القاهرة بسواعد الكتاميين و جعلها عاصمة
لهم .
في هذا الشأن أجرى
الدكتور "رضا بن نية" أستاذ بكلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية بجامعة
سطيف"2" بحثا تاريخيا ، أثبت من خلالها أن طبيعة الاحتفال بيوم عاشوراء
بالجزائر عامة و منطقة سطيف خاصة هي مناسبة للفرح و السرور على عكس ما هو سائد عند
الشيعة، و عن هذه الطقوس المصاحبة لهذا الاحتفال ذكر الدكتور بن نية في بحثه أن في هذا اليوم كان
السكان بمنطقة بني عزيز خاصة و المناطق المجاورة يقومون بتخزين جزء من لحم العيد (
القديد أو الخليع ) لأجل هذه المناسبة . و في ليلة عاشوراء يلتف الأطفال حول
شخص ( في شكل تمثيلية ) يرتدي ثيابا رثة و يطلي وجهه بالرماد يدعونه محليا "
بوقلول " ، و في أجواء من المرح و البهجة يطوف الأطفال رفقته على منازل
القرية و هم يرددون أغنية شعبية تتوافق مع هذه المناسبة ، و هي الأغنية التي لا
يزال بعض أمهاتنا يرددونها حتى الآن و التي منها هذه المقتطفات :
جيت
نطلب عاشوراء في الليل
خرجت
لي لالة كي الرويشة دي التليل
لالة
و أزرب لي و النهار طلع علي
أنا
داري دار الشط و الدورة دارت بي
أعطيني
قديد العيد باه يعيشلك الوحيد ...
أ
لالة يا امرأة الكبير محزمة بحزام حرير
أعطني
قمح الشتلة و ما تعطينيش الشعير ...
ليقوم الصبية بجمع
القديد و الدقيق ، و في الصباح تتطوع بعض النسوة لتحضير ما تم جمعه و يدعى لهذا
الطعام أهل القرية على اختلاف أعمارهم .
و من بقايا
الاحتفال بعاشوراء الذي ظل منتشرا حتى نهاية العقد التاسع من القرن الماضي ، ثم
بدأ يتلاشى تدريجيا و لم يبق منه اليوم سوى حنة النساء ، و التوسعة على الأهل (
تحضير طعام خاص بهذه المناسبة دون أية خصوصية ) .
و عن علاقة الاحتفال بعاشوراء بالوجود الفاطمي في المنطقة ، أكد الدكتور أنه قد يربط البعض احتفال أهل المناطق التي احتضنت الدعوة الفاطمية بعاشوراء حتى فترة متأخرة من القرن ال20 بدعوة أبي عبد الله الشيعي فيها ، إلا أن هذا الطرح يبقى بحاجة إلى مراجعة عميقة لاعتبارات عدة ، منها أن الغور في أعماق الطقوس الاحتفائية للكتاميين بعاشوراء لا يحمل أية دلالات دينية تربطه بالشيعة ، بل على العكس فإنه مناسبة لإظهار الفرح و السرور .كما أنه لم يثبت تاريخيا أن الداعي الفاطمي احتفل بهذه المناسبة أثناء تواجده في بلاد كتامة ، بالإضافة إلى أن الاحتفال الرسمي للفاطميين بهذه المناسبة لم يتفش إلا بعد تنقلهم إلى مصر .
كم أن الاحتفاء
بهذه المناسبة لم يقتصر على بلاد كتامة بل شمل معظم ربوع الجزائر حتى أدرج اليوم
ضمن الأعياد الدينية الرسمية ، فلماذا نربطه فقط ببلاد كتامة يتساءل الدكتور ؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عاشور جلابي / صوت سطيف.