حالة الطقس
يوم الجمعة
29 مارس 2024
الساعة: 14:33:51
تدابير عقابية ضد 6 قنوات تلفزيونيةمشروع 60 مسكن LPA ببوقاعة :04 سنوات من التأخرعن موعد الاستلام والحل ليس غداوزارة العدل: منصة رقمية للاتصال بالمحبوسين إلكترونياأبرز الملفات التي درستها الحكومة في اجتماعها اليومأمن دائرة العلمة :الإطاحة ب 03 نصابين
الخـامسة تُسقِط بوتفليقة، فهل يسقطُ معه النَّظام؟
مقالات و مختارات

 

بعد دُخول الحركة الاحتجاجية أسبوعها الخامس، تلك الأمواج البشرية التي انتفضت منذ 22 فيفري الماضي، عَبَّرت عن رفضها القاطع لمختلف الاقتراحات التي قال بها النظام الحاكم، اقتراحات عُدَّت في نظر الجناح الحاكم في السلطة أنَّها استجابة لمطالب الشارع، وأخرجتها في صورة إصلاحات من شأنها أن تُنهِي الحراك الشبابي الجزائري، فكان الرَّدُّ من طرف الحركة الشبابية بالرفض جملة وتفصيلا لكلِّ ما صدر عن نظام استفحل فيه سرطان الفساد، فقد تَغلَّب الجزائري على خوف عَشَّش في نفسه طيلة عقدين من الحكم البوتفليقي، الذي أغرق البلاد والعباد في فساد على كل الأصعدة.

والغريب في الأمر أنَّ تلك المراوغات السياسية التي خرجت بها السلطة، تُعتَبر في جوهرها خَرقًا فاضحا للدستور، ولم تخرج عن دائرة الشخصيات التي ترعرعت في أحضان النظام الحاكم، واغترفت من نهر ثروات الشعب الكثير، بدايتها كانت بتمديد عهدة الرئيس المنتهية ولايته، واستبدال الوزير الأول أحمد أويحيى بنور الدين بدوي، ودون أيِّ سَندٍ دستوري، تعيين نائب له من حلقات السلطة المارقة؛ مجموع تلك المناورات السياسية المستفزَّة، رأى فيها الشارع الجزائري مَرَّة أخرى استخفافا به، وراح يُؤكِّد على شِعَار: نريد التغيير لا الترميم، مثلما أشارت إليه مختلف اللَّافتات التي حملها الشباب في مسيراتهم، مطالب يمكن تلخيصها في: رفض التفاوض مع حلقات النظام بمختلف عُصَبِهِ وأزلامه، والإقلاع نهائيا عن فكرة الحكومة التي سَيُؤَسِّس لها النظام بمختلف شخصياته، بمعنى أنَّ كل ما يَمُت بصلة إلى النظام البوتفليقي بأحزابه ووزراءه ووجوهه السياسية، لا ينبغي أن يتواجد في الساحة السياسية بالمطلق، فقد أجمَع الشارع الجزائري بمختلف أطيافه، على ضرورة القطيعة مع رموز النظام القديم بِرِمَّته، والاقتلاع الجذري لكل من كان على صلة بمؤسسات الدولة في النظام الحالي، وربما قد عَبَّرَ ذلك الشاب بكل عفوية عن المطلب الجوهري للجزائريين بجملة: تروحوا قاع. فالشارع الجزائري يرفض بالمطلق كل ما انبثق من بيانات عن الرئاسة، فكيف لنظام أسَّس نفسه طيلة عشرين سنة على الفساد والنهب المُمنهَجين أن يطالب بتمديد بغاية الإصلاح؟ هذه المتناقضة التي لم يستطع الجزائري استيعابها، فمتى كان الفساد حاملا للإصلاح؟ فهل للمتناقضين الاجتماع معا؟ هذا الرفض القاطع، مُؤشِّر صِحِّي على مدى تصاعد منحنى الوعي عند المواطن الجزائري، على الرغم من الإستراتيجيات الخبيثة التي عملت عليها السلطة بأجهزتها المختلفة على تغييبه وتجهيله وإبعاده عن المشهد السياسي.

ربما من الضروري الإشارة إلى أهمِّ الصور الرمزية التي تجعل من الحراك قد أخذ أبعادا أخرى، من شانها أن تُعزِّز الموقف الشعبي، وبالمقابل تُضعف كثيرا من موقف النظام والقائمين عليه، المتمثل في انضمام عناصر من الأمن الوطني والحماية المدنية، إلى صفوف المتظاهرين وحملهم للافتات الداعية إلى رحيل النظام، كما حدث في ولايتي سطيف وبجاية، فرمزية تلك الصور تأكيد على أنَّ حراك الشارع في مُنحنى تصاعدي أسبوعا بعد آخر، وعلى العكس من ذلك تهاوي قوى النظام الحاكم ومحاولات فاشلة من قبل العصبة الحاكمة في إيجاد حلول وهمية لامتصاص غضب الشارع.

ومن الملفت للانتباه أيضا أنَّ الأحداث أخذت في التسارع الرهيب، فبعد إعلان أحزاب الموالاة تأييدهم للحراك الشعبي،RND ،MPA،FLN ، لاحظنا ردود فعل ساخرة من قبل مُرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، ما رأى فيه شباب الحراك ركوبا للموجة ومحاولة بائسة للالتفاف على مطالب الانتفاضة البيضاء، أما من الناحية الإستراتيجية يمكن قراءة هذه المستجدات على أنها نهاية للجناح الحاكم في السلطة، وبداية التمهيد للاستفادة من مكاسب ما بعد المرحلة الحالية، إضافة إلى أنها يمكن أن تكون إحدى تلاعبات السلطة لإلهاء الشارع عن حراكه وعدوله عن النزول للشارع، على أنَّه يجب التنويه إلى أنَّ مختلف تلك التصريحات ليست بالمهمة جداًّ، من منطلق أنَّ مختلف تلك الشخصيات ليست ذات وزن في صناعة القرار، لأنَّ الواقع السياسي يؤكِّد أنَّهم مجرَّد ناطقون بما يُملى عليهم من قرارات؛ التصريحات المهمَّة التي ينبغي الوقوف عليها، هي تصريحات القايد صالح قائد الأركان، في قوله أنَّ الجيش هو الحصن الحصين للشعب والدولة، تصريح يمكن قراءته على أنَّه إعلان غير مباشر على أنَّ ما سيكون في الساعات المقبلة يخرج عن دائرة ما دعت إليه دائرة الرئاسة منذ أيام؛ ستُقدِّم المؤسسة العسكرية خارطة طريق للخروج بحلٍّ يُقصِي جماعة الرئيس من زِمام السلطة بشكل نِهائي، بعد أن ضعفت قواها وتخلَّت عنها مختلف القوى الدّاَعمة، محليا أو دوليا.

 ما يبعث على الأمل فعلا، أنَّ الشارع الجزائري باختلافه، مُجمِعٌ على ضرورة تحقيق مطالبه التي تبتعد في كُلِّيتها إلى ما دعا إليه النظام، فالمواطن الجزائري حاليا يسعى إلى إرادة حياة جديدة، نمط حياتي يختلف كلية عن النسق الذي أُطِّر به من طرف النظام البوتفليقي طيلة العشرين سنة الماضية، استجابة تكون بإعلان النظام الحالي رحيله بأسلوب مباشر خال من أيِّ مُناورة من شأنها أن تُؤجِّج الحراك وتزيد من حِدَّتِه، من الضروري في المرحلة الراهنة أن يكون الحراك ذو تأطير محكم للخروج ببديل عن النظام الذي ربما يعلن انسحابه في أي لحظة، تأطير ضمن استراتيجيات واضحة بفضلها يخرج الحراك إلى الدائرة السياسية ذات الأبعاد الوطنية الهادفة إلى الإقلاع نحو النهضة في مجالاتها المختلفة.

ماذا بعد الحراك؟ الأخطار والحلول:

أكبر خطر قد يؤدي بالحراك إلى متاهات غير محمودة العواقب، يتمثل في القطيعة التي ربما يمكن أن تكون بين أقوى مؤسستين في الدولة: دائرة الاستخبارات والأمن ومؤسسة الجيش، هذا الانفصال من شأنه أن يُحدِث نوعا من اللاإستقرار بين هذين الجهازين، هذا ما سيؤدي إلى تهديد للاستقرار والأمن الداخليين، إضافة إلى استثارة الأطماع الأجنبية المتربصة بالجزائر، سواء من دول الجوار أو القوى الإقليمية الأخرى، وبالخصوص الدول العربية وعلى رأسها الإمارات والسعودية المنفذتان للأجندات الأجنبية في البلدان العربية، فتنبثق من بوتقة هذا الواقع المتأزِّم مختلف الصراعات الثقافية والهوياتية والإثنية، التي ستجرُّ البلاد إلى دوامة يصعب الخروج منها. هذا السيناريو المأساوي، يعيه جيدا الشارع الجزائري اليوم، بالنظر إلى تنامي الوعي السياسي والحقوقي والوحدوي، ولأجل هذا ابتعد الجزائريون عن اختزال أهداف الحراك في مُجَرَّد إلغاء العهدة الخامسة، بل إنَّ دائرة الأهداف اتَّسعت لتشمل الإجتثاث التَامٌّ للنظام الشمولي القائم.

فكيف سيكون الانتقال سلميا ضامنا لاستقرار البلاد؟ هل سيصغي الشرفاء في الوطن إلى حناجر الشباب المنادية بحياة جديدة؟ هل سيستمع الوطنيون إلى صوت وطنيتهم ويهيِّؤون الأرضية السلمية للانتقال السَّلِس للسلطة والاستفادة من دروس الماضي؟

ما يُمليه واجب الوطنية في هذه الظروف التي يعيشها الوطن، الإصغاء إلى صوت العقل من قِبَل من في يدهم سلطة القرار، وأقصد بذلك مؤسسة العسكر، لأنَّ العصبة البوتفليقية وأتباعها قد سقطت من دائرة صناعة القرار؛ على العاملين في صناعة القرار حاليا، أن يتحلُّوا بنوع من العقلانية والحكمة، وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية، فإن كان جيشنا المُفَدَّى سليل جيش التحرير، عليه الاستماتة في الدِّفاع عن شرف الوطن كما دافع عنه المجاهدون ضدَّ الاستعمار الفرنسي؛ ضرورة المرحلة تقتضي بأن تُعَيَّن إحدى الشخصيات ذات القبول عند الجزائريين بقيادة المرحلة الانتقالية،) وهو ما أعتقد أنَّه سيكون في الساعات القادمة وِفقا لمصادرنا الخاصَّة (مرحلة تضمن إجراء انتخابات رئاسية تقوم على مبدأ الشفافية والنزاهة، دون أن ننسى ضرورة إجراء تعديلات على الدستور، والتركيز على تَحجِيم صلاحيات الرئيس، خلافا للدستور الحالي الذي يُعطِي صلاحيات إمبراطورية لرئيس الجمهورية، من أهم النقاط أيضا التي يجب أخذها بعين الاعتبار في الدستور الجديد، الفصل بين السلطات: التشريعية، التنفيذية، القضائية، لأنَّها الآلية الوحيدة التي بفضلها يمكن قيام دولة مدنية قِوامها القانون وقِيم الديمقراطية والمواطنة.

نتمنى أن تصل رسالتنا إلى من في يدهم الأمر بعد الله، نأمل أن تكون الجمعة القادمة جمعة احتفالية نُعيد معها احتفالات الإستقلال في جويلية 1962. ونشُدُّ الهمَّة في بناء الوطن، استكمالا لما بدأه جيل نوفمبر المجيد.

 

الأستاذ: طالبي عبدالحق /أكاديمي وناشط سياسي.

 

 

تم تصفح هذه الصفحة 3340 مرة.
فيديو
صورة و تعليق
هدرة الناس
والي سطيف و الكورونا ؟إقرأ المقالة
قناتنا على اليوتيوب
تطوير Djidel Solutions