حالة الطقس
يوم السبت
20 أفريل 2024
الساعة: 7:21:13
سطيف : توقيف متورطين في بيع فلوس الكوكلي على أساس صوص انتاج اللحمالعلمة : بعد ضبط كميات كبيرة تباع على الحالة ، تحقيقات مع مستوردي مادة الخشب الموجه للتصنيعبعد قرار إضافة رحلات داخلية جديدة ، هل يتحرر مطار سطيف ؟في ذكرى وفاة الشهيد داهل الذويبي صاحب أهم مركز ثوري بدوار اولاد علي بن ناصر ببني فودةاعادة تعيين رؤساء البلديات الخمس الموجودة في حالة انسداد
رئيس بالوكالة.
مقالات و مختارات

 


مِمَّا ليس فيه مثقال ذرَّة من شك، أنَّ تَرشيح الرئيس المُنتهية وِلايته عبد العزيز بوتفليقة من طرف صُنَّاع القرار في الدولة، قد شَكَّل بالفعل أزمة في الشارع الجزائري بكل أطيافه وشرائحه، فقد اعتبره معظم الجزائريين احتقارا واستبغالا للعقول، فلم يسبق تاريخيا مثل هذه الحادثة في الدوائر السياسية، إذ لم يُسجِّل التاريخ ترشيح شخص مُقعدٍ لمنصب رئيس جمهورية، وربما السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق: ألم يَسْتَشرِف من أشرفوا على هذا القرار بِرَدَّة الفعل التي سَيُبديها الشارع الجزائري؟ أم أنَّ الجهاز الاستخباراتي فقد البوصلة في قراءة الذهنية الجزائرية؟ فبمثل هذا القرار اللاعقلاني واللامسؤول، جعل من الجزائر بتاريخها النضالي الضارب بجذوره في التاريخ، أضحوكة في وسائل الإعلام العالمية باختلافها، مكتوبة أو مسموعة أو حتى وسائط التواصل الاجتماعي؛ فكثير من المغردين ورُوَّاد الفيسبوك، تساءلوا عن مدى جِدِّية ما يقوم به صُنَّاع القرار في الجزائر؟ وعن مدى عُقم الجزائر ومنظومتها السياسية عن إنجاب رجال يمكنهم الترشح لمنصب الرئاسة؟

فبعد إعلان ترشح عبد العزيز بوتفليقة بشكل رسمي من طرف الحزب الحاكم ومجموعة الأحزاب التي تُحسب على الموالاة، عَمَّت الشارع الجزائري رَدَّة فعل عفوية، عَبَّرَت عن غضب الجزائريين بهذا القرار الذي اعتبروه استخفافا بعقولهم، تُرجمت رَدَّة الفعل تلك، في شكل مسيرات جابت ربوع الوطن، مسيرات دعا إليها ناشطون عبر الفيسبوك، تحت شعار سلمية_سلمية؛ وكان ذلك بالفعل فقد طَبَعَت السلمية مسيرات الجزائريين عبر كامل التراب الوطني، في جوٍّ احتفالي بامتياز، استمرت تلك المسيرات لثلاث أسابيع متتالية، وفي كل مرة تزداد أعداد المنضمين إلى الحراك السلمي، حتى أنَّ بعض الإحصائيات قَدَّرَت نسبة المشاركة الوطنية في مسيرة الثامن من مارس بقرابة 14 مليون على المستوى الوطني.

الغريب في الأمر أن المستميتين دفاعا عن الرئيس المريض، لم يُبدوا أية رَدَّة فعل من شأنها احترام الإرادة الشعبية وتهدئة الشارع، بل بالعكس من ذلك تماما، خرج ناطقون من طرف أحزاب الموالاة بتصريحات استفزازية لا محسوبة، فيها تَحدٍّ واضح لإرادة الأغلبية من الجزائريين، إذ برَّروا قرار ترشيحه بِردِّ الجميل لصنيعه في العهدات الأربعة التي تربَّع فيها على كرسي قصر المرادية، وعلى رأس تلك الإنجازات كما يَدَّعون، تحقيق الأمن من خلال مشروع المصالحة الوطنية، وكأنَّ السلم أصبحت مزيَّة يمُنُّون بها على الشعب؛ لكني أظن، بل اجزم أنَّ هؤلاء العصبة لم يطَّلعوا على أحرف التاريخ وما كتبته أقلام المؤرِّخين عن الأمم السابقة، تستحضرني في هذا المقام واقعة تشيرتشيل بعد ترشحه للرئاسة، وهو من خرج منتصرا في الحرب العالمية الثانية، لكن الشعب الانجليزي لم يختره كرئيس، على الرغم من الانتصارات الجبارة على النازيين في تلك المرحلة؛ غير أنَّ تشيرتشيل ومناصريه، لم يَمُنُّوا على البريطانيين بأنَّهم كسبوا الحرب، بل سَلَّموا بالمنطق الديمقراطي الذي يقتضيه مفهوم الدولة الحديثة، المفهوم السياسي الذي أسَّسَ دعائم مقولاتها مونتيسكيو  وروسوا وفولتير وغيرهم من المنظرين السياسيين.

ما يمكن استقراؤه من المشهد السياسي الجزائري، أنَّه على الرغم من السلمية التي أبَان عنها الشعب الجزائري، وعلى الرغم من التنديد بالعهدة الخامسة من طرف الشارع الجزائري، بطلبته وأساتذته ومحاميه وأطبائه ومهندسيه، وكل شرائح المجتمع، غير أنَّ من رَشَّحَوا بوتفليقة لعهدة خامسة، يبدوا أنهم غير آبهين بالحناجر التي دَوَّت في كامل ربوع الوطن، أصوات مُنادية بضرورة قطع الصلة نهائيا مع نظام أغرق الجزائر بما تمتلكه من ثروات بشرية وطبيعية في أزمات اقتصادية وصل فيها التضخم إلى أعلى مستوياته منذ الاستقلال، نظام أرسى مبادئ الفساد في صوره المختلفة، من بيروقراطية ومحسوبية ورشوة وهلم جرا من الآفات التي كانت نتيجة لاستفحال الفساد في أجهزة الدَّولة باختلافها؛ ناهيك عن الفقر والبؤس الذي يعيشه المواطن الجزائري؛ فمع تنامي الثورة التكنولوجية، لم يعد للتلفزيون الحكومي القدرة على التعتيم للحقائق، إذ شَكَّلَ الإعلام البديل مصدرا للمعلومة وفهم ما يحاك في الدوائر السلطوية، وكانت النتيجة تنامي الوعي الحقوقي عند الشباب الجزائري، فمن غير المعقول أن نكون دولة بحجم قارة ونحن نعيش تحت مستوى الفقر؟ هكذا صرخت حناجر الجزائريين مزلزلة حواجز الخوف التي عملت على زرعها السلطة بأجهزتها وآلياتها المختلفة. فما يُطَالب به الشعب الجزائري حاليا، لم يتوقف عند حدود إلغاء الخامسة فقط، بل ضرورة التغيير الجذري للنظام الحاكم، ومُحاكمة رؤوس الفساد التي عبثت بالمال العام وأغرقت البلاد في دوامة من التخلُّف والرجعية المنقطعة النظير، قطيعة تقتضي مرحلة انتقالية تُكَلَّل بانتخابات رئاسية ميزتها الشفافية والنزاهة، بعد أن تلوثت صناديق الاقتراع بسرطان التزوير الذي لازمها لعقود من الزمن.

بعد نجاح الحراك السلمي الجزائري، والذي أصبح مفخرة في الإعلام العالمي، حيث وُصِفت المسيرات التي عرفتها الجزائر للأسابيع الثلاث، بالأغرب على مرِّ التاريخ، خصوصا مع بروز مظاهر الحضارية والتمدن في سلوكيات المتظاهرين، من حملات للتنظيف بعد انتهاء المسيرة، أو مشاركة الأطفال والنساء والشيوخ والعجائز دون أن نَلمَسَ أية تجاوزات، ولا يجب أن ننسى كيفية تعامل المواطن الجزائري مع رجل الأمن تحت شعار: خاوة خاوة، شعار دمعت له القلوب قبل الأعين؛ شعارات هتفت بها حناجر الشباب الجزائري مُنذِرة عن ظهور جيل جديد يرفض الوصاية والتسلُّط، تعبيرات وجه تُوحِي بالسلمية والرقي المنقطع النظير. غير أنَّ صرخات الشباب رُبَّما لم تصل بعد إلى من وُجِّهت لهم الرسالة؟ أو ران على قلوبهم ولَفَّت بصائرهم غشاوة لم تسمح برؤية تلك اللوحات التي رُسِمَت في شوارع مُدُن الجزائر؟ أو ربما لم يشأ من أراد الشباب إسماعهم أن يُنصِتُوا؟ وربما...

بعد نجاح الحراك السلمي، وَجَبَ التساؤل عن الآليات التي يجب تفعيلها توازيا مع حراك الشارع؟

ما تُثبِتُه التجارب السياسية المختلفة على مَرِّ التاريخ، أنَّ النضال أيًّا كان نوعه، يجب أن يُؤَطَّر من طرف نخبة سياسية تكون كوسيط بين الشعب والسلطة، وهو الأمر نفسه الذي قام به أجدادنا في ثورة نوفمبر، فبعد إفحام العدو الفرنسي في ساحات القتال، حان وقت المناورات السياسية لإسماع صوت الجزائريين للعالم من خلال طاولات التفاوض، وكان ذلك بالفعل مع النخبة التي مَثَّلَت الجزائر في المحافل السياسية الدولية، حتى أقَرَّت الجمعة العامة للأمم المتحدة حق الجزائريين في تقرير المصير؛ من خلال هذا يجب التأكيد على ضرورة التأطير السياسي للحراك السلمي؛ صحيح أنَّ المشكلة تكمن في انعدام نخبة سياسية تتحلى بالنزاهة والأمانة في تَبَنِّي المطالب الشعبية، ولطالما خذلت الطبقة السياسية المواطن، وهذا ما جعل الهوَّة تتَّسع بين المواطن ورجل السياسة، ربما اقترح بديلا من خلال هذا المقال، يتمثل في:

انتقاء لجنة وطنية تتشكل من نخبة من الشرفاء ذوي الكفاءة والنزاهة لاحتضان صرخات الشارع، تتشكَّل هذه اللجنة من شخصيات ذات تاريخ نزيه وغير مُشَّوَّه بالتلاعبات السياسية، مهمة هذه اللجنة تتمثل في تسيير المرحلة الانتقالية بعد القضاء على النظام الحالي، ومن ثم السعي إلى التسيير الحكيم للمرحلة إلى غاية إقامة انتخابات رئاسية تتحلى بالشفافية والنزاهة، وبالتالي الانتقال الديمقراطي السَّلِس، انتقال يضمن الاستقرار للوطن والحدِّ من التدخل الأجنبي الذي يتربَّص بالجزائر منذ مدة.

يجب أن نُدرك جميعنا أنَّ ما قُمنا به في الآونة الأخيرة، لهو ملحمة سيسجل التاريخ أبياتها بأحرف من ذهب، يجب أن نعمل جاهدين في هذه المرحلة إلى الإستغلال الايجابي للوعي الذي أضحى يعيشه الشارع الجزائري، لكي لا تضيع الفرصة كما ضاعت سابقتها، فضرورة المرحلة تقتضي منا التحلي بالعقلانية السياسية للخروج بجزائر حرَّة ديمقراطية.


ــــــــــــــــــــ طالبي عبدالحق، أكاديمي وناشط سياسي.

 

تم تصفح هذه الصفحة 3236 مرة.
فيديو
صورة و تعليق
هدرة الناس
والي سطيف و الكورونا ؟إقرأ المقالة
قناتنا على اليوتيوب
تطوير Djidel Solutions